GEOSCIENCE

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



    الشاطبي يتهجم على الصحوة الاسلامية/مقال‏

    محمد جلال عبد الغني
    محمد جلال عبد الغني
    جيو صاعد
    جيو صاعد


    ذكر عدد الرسائل : 50
    العمر : 36
    Localisation : My Home
    university : أسيوط
    تاريخ التسجيل : 25/11/2007

    الشاطبي يتهجم على الصحوة الاسلامية/مقال‏ Empty الشاطبي يتهجم على الصحوة الاسلامية/مقال‏

    مُساهمة من طرف محمد جلال عبد الغني 2008-07-05, 3:21 pm

    هذا المقال كتبه الشاطبي يتهجم فيه على تيار الصحوة الاسلامية
    اترك التعليق لكم
    ----------------------------------------------

    قال صلى الله عليه وسلم: "لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه" وهذا الحديث يكاد أن يعتبر من الأصول التي يقوم عليها الخطاب الصحوي، وكثيراً ما يتكرر في كلام رموزه، مستشهدين به على عدم جواز اتباع الغرب أو التشبه بهم أو تقليدهم ... الخ، وهذا في نظري حرف للمعنى الأساس الذي جاء به هذا الحديث، والرسول صلى الله عليه وسلم لا يتحدث هنا عن الغرب في القرن العشرين أو الحادي والعشرين ، بل هو يتحدث عمّن كان قبلنا، وشتان ما بين من كان قبلنا ومن هم يعيشون في عصرنا الحاضر.

    إن ما يتعين علينا حين محاولة فهم هذا الحديث هو تحديد المراد بقوله (من كان قبلكم) وتحديد المراد لا يحتاج إلى كبير جهد، ذلك أنهم هم الأقوام السابقين ، ونجد لفظ (من كان قبلكم) متكرراً في آيات قرآنية وأحاديث نبوية، وحتى نعلم كيف أننا سنتبع سنن أولئك الذين قبلنا، فإن علينا أن نبحث عما ذكر من سنن أولئك في القرآن والسنة.

    إن من سنن من كان قبلنا (تحريف الكلم عن مواضعه)، وهذا كان ديدن من كان قبلنا، ولا يلزم من تحريف الكلم عن مواضعه تغيير اللفظة نفسها، بل يكفي التحريف في المعنى، ونحن حين نقول إن التوراة والإنجيل من الكتب المحرفة، ننسى أن القرآن قد دخله من التحريف ما هو أعظم، ومن مظاهر هذا التحريف أن يكون معنى قوله تعالى: "لا إكراه في الدين" أنه خاص بالكافر الأصلي، وأن المرتد يجوز إكراهه، ومثل ذلك تحريف كلمة (السائحون) و (السائحات) في قوله تعالى: "التابئون العابدون الحامدون السائحون" وفي قوله "سائحات ثيبات وأبكاراً" فصارت السياحة بقدرة قادر يراد بها الصوم، وساح ليست (ساح) التي نعرفها، بل (صام) وكل هذا من التحريف في كتاب الله، وما أجبرهم على ذلك إلا أن هذه الآية تخالف فتاواهم التي تلزم المرأة بالقرار في البيت، ومثل ذلك الصراخ عالياً بقوله تعالى: "وقرن في بيوتكن" كلما رأى رجل امرأة تخرج من بيتها، وهذا من التحريف، وهو كمن يقول "فويل للمصلين" ولا يكمل الآية "الذين هم عن صلاتهم ساهون" وقوله تعالى: "وقرن في بيوتكن" موجه إلى نساء النبي، وما أتفه الحجة القائلة إن باقي النساء أولى بالقرار في البيوت والله يقول "يانساء النبي لستن كأحد من النساء".

    كما أن من سنن من كان قبلنا أنهم (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله) ويوضح هذه الآية حديث عدي بن حاتم حين سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ هذه الآية فقال: إنا لسنا نعبدهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه ويحرمون ما أحل الله فتستحلونه؟" قال عدي: بلى، قال: "فتلك عبادتهم". وإن من يتأمل في هذه الآية وهذا الحديث يجد له مصداقاً في واقعنا الحالي، فنجد أن كثيراً من فتاوى هذه الأيام فيها تحليل للحرام وتحريم للحلال والناس تطيع مشائخها في ذلك، وتعتقد أنها بإطاعتها لأولئك المشايخ إنما هي تتقي الله من النار، ومن أقوالنا العامية (حط بينك وبين النار مطوّع) أي أن وزر اتباع فتوى الشيخ على الشيخ نفسه لا على من اتبع الفتوى، وهذا خطأ، بل إن الناس باتباعها وإطاعتها لأولئك المشايخ في التحليل والتحريم إنما هم يتبعونهم ويعبدونهم ويوم القيامة سيكون حالهم كما صوّره الله تعالى بقوله: "إذ تبرّا الذين اتُّبعوا من الذين اتَّبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب. وقال الذين اتَّبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرأوا منا كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وماهم بخارجين من النار" فيوم القيامة سيتبرأ أولئك المشايخ من الذين اتبعوا فتاواهم ولن تنفعهم الحكمة القائلة (حط بينك وبين النار مطوّع)، والناس تتصوّر بأنها تتقرب إلى الله وتتقيه باتباع الشيخ فلان أو الشيخ علان، وما دروا أن هؤلاء سيوردونهم المهالك، ولن يكونوا لهم شفعاء يوم القيامة. والله قد نهانا أن يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله، وأمرنا بأن نسلم الوجه له خالصاً له الدين، ولا نتبع ولا نخضع إلأ الله، وهذا هو التوحيد الخالص.

    ثم إن من أظهر مظاهر اتخاذ المشايخ أرباباً من دون الله، أنك لو اعترضت على فتوى أحدهم بقول من الله أو بقول من الرسول تجدهم يعنّفونك ويسبونك ويشتمونك ويصفونك بالكفر وإخوانه، كل ذلك على الرغم من أنك لم تزد على قال الله وقال رسوله، وما ذلك إلا الشرك بعينه، حين جعلوا فتاوى أولئك المشايخ في مرتبة أعلى من كلام الله وكلام رسوله، وابن عباس كان يقول: يوشك أن تسقط عليكم كسف من السماء، أقول قال رسول الله وتقولون قال أبو بكر وعمر؟!

    وحتى يتجنب الإنسان عبادة غير الله ، واتخاذ مشايخه أرباباً من دون الله، فإن الرسول قد قال : "استفت قلبك وإن أفتاك الناس" وليس استفتاء القلب مراد به اتباع الهوى، بل إن القلب هو العقل، كما هو الاستخدام القرآني، ومن ذلك "أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها" فعلى الإنسان أن يحكّم عقله فيما يسمعه من فتاوى، والحلال بيّن والحرام بيّن، وكثير من فتاوى هذه الأيام تصادم العقول والفطر السليمة، ولذلك وجب اطّراحها، وعلى الإنسان أن يقرأ القرآن وأن لا يجعل بينه وبين قراءته واسطة تحرف المعنى بل عليه أن يقرأ القرآن ويتدبّره بنفسه كما أمر بذلك القرآن "أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها".

    ويمكن أن يلحق بما سبق كثرة الأسئلة والاستفتاءات، ذلك أنها من سنن من كان قبلنا، قال صلى الله عليه وسلم: "ذروني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم لكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم فإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن أمر فانتهوا"، والمتتبع لحال مجتمعنا اليوم يظهر له الهوس المَرَضي بالفتوى، فتجد أنه يطلب الفتوى في كل شؤون حياته في حركاته وسكناته، حتى طال الأمر الاستفتاء فيما هو من البدهيات، إلا أن الجهل وعبادة المشايخ قد جعلت على قلوب الناس أكنّة أن يفقهوه وفي آذانهم وقراً، فصار الناس كالأنعام بل هم أضل، ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور.

    كما أن من سنن من كان قبلنا التقيّد بحرفية النص مع إغفال الغاية والهدف وروح النص، واليهود حينما حرم الله عليهم أكل الشحوم، أذابوها حتى تصير ودكا فيزول عنها اسم الشحم وباعوها بعد ذلك، وفيهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قاتل الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها"، ومثل ذلك أصحاب السبت حين حرم عليهم الصيد يوم السبت، فكانوا يقيمون الحواجز على السمك ويحوّطونه يوم السبت، حتى إذا جاء يوم الأحد سارعوا إليه فجمعوه، وقالوا إنهم لم يصطادوه في السبت، وكثير من فتاوى هذه الأيام إنما هو اتباع لسنن من كان قبلنا في الالتزام بحرفية النص وإغفال معناه ومقصده، وأظهر ما يكون ذلك فيما يسمى بالمصرفية الإسلامية، حين نسبوا إلى الإسلام ماهو منه براء، فصاروا يستغلون حاجة الفقير ويزيدون عليه الفائدة أكثر من البنوك الربوية، كل ذلك باسم الإسلام، وإذا تم الإنكار عليهم قالوا إنما هذا بيع وليس ربا، مكراً منهم واحتيالاً على الله ذلك أنهم لم يقصدوا البيع لذاته بل قصدوا الإقراض، وبدلاً من أن يقرضوا صراحة، أدخلوا سلعة صورية يستحلّون بها استرقاق رقبة ذلك المحتاج، وكل ذلك باسم شريعة الإسلام، والإسلام من ذلك براء، وما أشبه أولئك بمن مسخهم الله من أصحاب السبت قردة وخنازير بسبب احتيالهم في السبت.

    ويمكن الاستشهاد بفتاوى المصرفية الإسلامية على واحدة من سنن من كان قبلنا وهي ما ورد في قوله تعالى: "فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون" والهيئات الشرعية في تلك المصارف توقّع عن الله وتحكم بأن هذا حلال وهذا حرام، ويقولون إن فتاواهم من عند الله وأنها شرع من الله، ونسوا أن ما يصدر عنهم لا يزيد عن أن يكون اجتهاداً من عند أنفسهم ورأياً خاصا بهم، وأغلب الظن أنهم حادوا عن أوامر الله وإلا فكيف يجوز أن تكون الشروط والفوائد فيما يسمى بقروض إسلامية مجحفة واستغلالية أكثر مما يسمى بالبنوك الربوية، إنهم حين ينسبون فتاواهم إلى الله إنما يتبعون في ذلك سنن من كان قبلهم حين كانوا يقولون هذا من عند الله، كل هذا ليأخذوا فائدة وربحاً قليلاً "فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون". قال تعالى: "إن كثيراً من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله" وما أصدق هذه الآية في كثير من متصدري فتاوى المصرفية الإسلامية.

    ثم لنأخذ جانباً آخر من سنن من كان قبلنا، وهو ادعاء امتلاك الحقيقة المطلقة والادعاء بأننا وحدنا أصحاب الجنة وأن من عدانا في النار وأننا نحن أبناء الله وأحباؤه، وكل هذا قد قاله من كان قبلنا "وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى تلك أمانيهم" والله ينكر عليهم أنهم جعلوا الجنة خالصة لهم، فلنتأمل، هل اتبعناهم في ذلك؟ ألم نزعم أنه لن يدخل الجنة إلا من كان مسلماً، وأن غيرنا في النار؟ ولربما أنه لو جاء كتاب بعد القرآن لقال فينا "وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان مسلماً تلك أمانيهم"، ويلحق بهذا ادعاء امتلاك الحقيقة المطلقة، والزعم بأن ما نحن عليه هو الحق وأن غيرنا ليسوا على شئ "وقالت اليهود ليست النصارى على شئ وقالت النصارى ليست اليهود على شئ وهم يتلون الكتاب كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم" فنحن اتبعنا سنن من كان قبلنا وقلنا مثل قولهم، وها نحن الآن نقول إن اليهود ليسوا على شئ وإن النصارى ليسوا على شئ، على الرغم من أنا نتلوا الكتاب الذي يقول: "إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم آجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون" بل قد أخبر الله في كتابه أننا قد قلنا مثل قولهم: "كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم" وما أحرى بنا أن ننسب إلى الجهل وعدم العلم كما وصفنا الله بذلك. ثم يأتي بعد ذلك الزعم بأننا نحن جند الله وحزبه أولياؤه وأحباؤه ... الخ من الصفات التي تنسبنا إلى الله وتنسب غيرنا إلى الشيطان، ونحن في ذلك لسنا بدعا، فمن كان قبلنا قد سبقونا في ذلك "وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه، قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء"، وليت المسلمين اليوم حين يزعمون أنهم أولياء الله وأحباؤه يتأملون في حالهم وينظرون ، لم يعذبهم الله بذنوبهم؟ وليتهم يقتنعون بأنهم بشر ممن خلق.

    كما أن من سنن من كان قبلنا التشدد في مظاهر الدين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إياكم والغلو في الدين فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين" والله قد أنكر على النصارى الرهبانية التي ابتدعوها، ومظاهر الرهبانية في يومنا هذا عديدة، حتى تم تحريم كثير من مظاهر الفرح والسرور، لدرجة أن أعراسنا قد انقلبت بقدرة قادر إلى مجالس وعظ، وحرّم الغناء و الموسيقى على الرغم من كونهما من متطلبات الفطرة الإنسانية، والإنسان من طبعه أنه يحبّ الصوت الحسن، كما أنهم قد شوّهوا من لباسهم وأشكالهم حتى صارت اللحية الكثّة والوجه المكفهرّ والثوب القصير الذي يزيد الشكل تشويهاً مظهراً من مظاهر التديّن الواجبة على الإنسان، وليتهم قد قصروا مظاهر الرهبانية هذه على أنفسهم، كما فعل من كان قبلنا، بل الأدهى والأمر أن يجعلوها من ركائز الدين ويلزموا الناس بها حتى صار إيمان الإنسان لا يصح إلا بتشويه نفسه والترهبن.

    ثم إن من سنن من كان قبلنا أن يكون المعيار لقبول أمر جديد اتفاقه مع سنة الآباء والأجداد، حتى أنك كلما حاولت أن تقنعهم تجدهم يقولون "ماسمعنا بهذا في آبائنا الأولين" أو "لم يقل بهذا أحد من السلف الصالح"، وهذا هو الاحتجاج بإجماع السلف، حتى صار الإجماع حجة يرفض بها أي قول مخالف، وصار معارضة الإجماع إنكاراً لما هو معلوم من الدين بالضرورة، وكل هذا من لبس الحق بالباطل، وإلا فمن أعطى الإجماع كل هذه القداسة؟! وهذا كله على افتراض إمكانية وقوع الإجماع، وهو ما ينكره العقل. ومن المؤسف أن تكون كثير من الفتاوى السيئة أصلاً عظيماً من أصول الإسلام، ولو نهيتهم عن ذلك قالوا: إن الله أمرنا بذلك، والله من ذلك براء، وهم لا يزيدون عن أن يكون مثلهم كمن قال الله فيهم: "وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله مالاتعلمون" وكثير من فتاوى الفحش والبغي والاعتداء نسبت إلى الدين وإلى الله، تعالى الله عن ذلك.

    ثم إن من سنن من كان قبلنا ما ورد في قوله صلى الله عليه وسلم "إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد" ونحن اتبعنا من كان في قبلنا في ذلك حذو القذة بالقذة حتى دخلنا معهم في جحر الضب ونازعناهم فيه، والعرب والمسلمون اليوم سادة في التفرقة ما بين الشريف والضعيف في العقوبة.

    كما أن من سنن من كان قبلنا ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال تعالى: "لعن الذين كفروا على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون. كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون"، وقد يتبادر إلى الذهن أن المنكر هو ما تقوم به هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وللأسف فإنهم أبعد ما يكونون عن ذلك، إذ إن معظم جهودهم تدور حول المرأة، مع أن الزنا في حد ذاته ليس من المنكرات التي يجب على الإنسان تغييرها، وأحد الصحابة حين جاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ليخبر عن رجل يزني بامرأة قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هلا سترته بثوبك؟" ولو كان ذلك الزنا منكراً يجب تغييره لوجب أن ينكره الرسول أو أن يأمر ذلك الصحابي بإنكاره، إلا أنه قد أمر بما هو ضد الإنكار وهو الستر، دليلاً على أن الزنا يستحب ستره. فإذا كان الزنا الذي هو عندنا من أعظم المنكرات وما هو دونه من خلوة ومعاكسات ليس منكراً حسب المفهوم النبوي، فما هو المنكر إذاً؟ إن المنكر هو (الظلم) والظلم هو ما يجب على الإنسان أن ينكره بيده أو بلسانه أو بقلبه، أما الذنوب التي تقتصر على الإنسان ولا تتعدى إلى غيره فليست منكراً، وطالما أن الإسلام قد كفل للإنسان حرية الاعتقاد ومن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، فمن باب أولى أنه لا يجوز إكراه الإنسان على الالتزام بما دون ذلك من تعاليم الإسلام من صلاة وصوم ونحو ذلك من العبادات والسلوكيات، مالم يكن ذلك من الذنوب التي في ارتكابها ظلم للغير فحينئذ تكون منكرا يجب تغييره، من مثل أكل أموال الناس بالباطل والغش والسرقة والاعتداء بشتى أنواعه. إن كون المنكر هو الظلم يستفاد من قوله صلى الله عليه وسلم: "والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، ولتأخذن على يد الظالم، ولتأطرنه على الحق أطراً، ولتأصرنه على الحق أصراً أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض، ثم ليلعنكم كما لعنهم". فالرسول هنا قد عطف على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الأخذ على يد الظالم، مما يفهم منه أن هذا هو مدار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا هو ما يتفق مع شريعة الإسلام وروحها، وللأسف فإنا تركنا إنكار المنكر العظيم وهو الظلم الذي نعيشه في مجتمعاتنا، وتمسكنا بإنكار ما هو شأن خاص بين الإنسان وربه، لم نؤمر بإنكاره، بل أمرنا بستره. والتحريف في معنى إنكار المنكر هو من (تحريف الكلم عن مواضعه) الذي تحدثنا عنه سابقاً.

    هذا ما لديّ، وعذراً على الإطالة.

    الشاطبي

      مواضيع مماثلة

      -

      الوقت/التاريخ الآن هو 2024-03-29, 3:40 am